ضحايا الانتهاك الجنسي في مخيّم اللاجئين يرفعون أصوات.

24 نيسان 2013


ضحايا الانتهاك الجنسي في مخيّم اللاجئين يرفعون أصوات    

مخيّم عين الحلوة – لبنان: لا تزال السيّدة هاجر س. تتذكّر ما حصل لابنها البالغ من العمر ثماني سنوات عندما تعرّض الى الانتهاك الجنسي من قبل صبيّ أكبر منه سنّاً مقابل مبلغ زهيد من المال.


كانت تُضطرّ هاجر المتعلّمة الى قضاء ساعات طويلة من النهار في عملها بعيداً عن المنزل بعدما حصلت على الطلاق من زوجها السابق، ممّا أدّى بابنها الى قضائه معظم وقته كما يحلو له. 


وعندما علمت أنّ ابنها وقع ضحيّة الانتهاك الجنسي، رفعت القضيّة الى خبراء من جمعية عمل تنموي بلا حدود – نبع ومن مؤسسة أطفال الحروب – هولندا في لبنان، اللتين تعملان على دراسة مشتركة حول انتهاك الأطفال في المخيّم.


ساهمت قصّتها وقصص العديد غيرها من الأهالي في تكوين التقرير الذي يستكمل دراسةً حول العنف ضدّ الأطفال قامت بها جمعية نبع في العام 2006. يهدف التقرير الى الغوص والتعمّق في حوادث الانتهاك التي تعرّض اليها الأطفال في المخيّم، كما حصل مع ابن هاجر.
كان قرار الأم أن تتحدّث بصراحة عن الانتهاك الجنسي قراراً شجاعاً فيما تُعتبر مواضيع الجنس والمثلية الجنسيّة من المحظورات في المخيّم الذي يقطنه 90.000 شخص من ضمنهم 10.000 لاجئ سوري. تعمل الشخصيات الدينية جاهداً في المخيّم على تعزيز الثقافة الإسلاميّة ومفاهيمها، ممّا يدفع العديد من السكّان الى الالتزام دينيّاً.
لم تتردّد هاجر في الكلام في مركز نبع حول ما حصل مع ابنها، على عكس العديد من الأمّهات اللواتي وجدن أنفسهنّ في الموقف نفسه، إلّا أنّهنّ لزمن الصمت حول الانتهاك.
فقالت هاجر: "قبل ثلاث سنوات، عاد يوماً إبني من المدرسة في الساعة العاشرة مساءً، وقد كان يرتجف وحالته يرثى لها. عندما سألته عمّا حدث له، أجابني أنّه كان يلعب مع أصدقائه طوال الوقت. ولاحقاً، وجدت في جيوبه 3.000 ل.ل، فاضطرّ الى أن يعترف بأنّ صبيّاً أكبر منه سنّاً انتهكه جنسيّاً".
ومن ثمّ أضافت قائلةً: "أخذت ابني الى الطبيب على الفور، على الرغم من أنّ في تلك الفترة، لم يكن يتمّ الإبلاغ عن هكذا حوادث في حيّنا. إلّا أنّ بعد ذلك، تمّ الابلاغ عن وقوع حادثتين مماثلتين".
تعتقد هاجر أنّ المشكلة تكمن في خوف الأهالي من التحدّث بصراحة حول موضوع الانتهاك ، ممّا يؤدّي الى عدم تلقّي الضحايا العلاج النفسي اللازم إلّا نادراً.
دعت الأمّ جميع الأهالي الذين تعرّض أطفالهم الى الانتهاك الجنسي الى "إبلاغ الجهات الرسمية في المخيّم حول الحوادث التي وقعت، لأنّ التكتّم حول الموضوع لن يساعد الضحايا ولا غيرهم من الأطفال، لا بل قد يدفع المنتهكون الى المضيّ في ما يقومون به".
وفيما انتشرت حكايات انتهاك الأطفال في المخيّم، تعمّق التقرير المشترك في التحقيق في كلّ حادثة على حدًى. هدفت الدراسة الى التحقّق من صحّة هذه الحكايات من أجل فهم أسباب الانتهاك بشكل أعمق وإيجاد حلول لهذه القضيّة وحماية الأطفال من وقوعهم ضحايا هذا النوع من الأعمال.
وقالت هاجر إنّها لم تعاقب ابنها، لا بل تابعت حالته مع أخصّائيّة نفسية في مركز نبع، "فتحسّنت حاله".
كما صرّحت عن رأيها قائلةً: "صحيح أنّ المال شكّل إغراءً بالنسبة الى ابني، إلّا أنّ الأسباب عديدة وراء الانتهاك الجنسي... كالبرامج التلفزيونية التي لا تخضع للرقابة مثلاً، والانحراف عن الدين والتربية الخاطئة والشذوذ الجنسي". كما شدّدت على أهميّة القيام بحملات توعية حول هذا الموضوع.
يتّفق سكّان المخيّم مع هاجر في ما يتعلّق بأسباب الانتهاك ودوافعه، مؤكّدين على ارتفاع نسبة وقوع حوادث من هذا النوع مؤخّراً بسبب الانحطاط الأخلاقي المرتبط بازدياد المحطّات التلفزيونيّة الفضائيةّ التي لا تخضع للرقابة.
وأيّدت هاجر إعطاء محاضرات حول التربية الجنسية في المدارس الإسلامية لرفع مستوى الوعي لدى الأهالي والمراهقين.
وقد أشار التقرير الى تصريح معظم الأطفال الذين تمّت مقابلتهم بأنّ المعتدي هو شخص قريب منهم ويعرفونه جيّداً، غالباً ما يكون قاطناً في محيط منزلهم أو مدرستهم. كما أنّ معظم حوادث الانتهاك الجنسي وقعت في الشارع، وبالأخصّ بعد انتهاء دوام المدرسة وفيما يتوجّه الأطفال الى منازلهم.
أمّا الأخصائية النفسية رويدا اسماعيل التي عملت على التقرير المشترك، فقالت: "إنّ العادات والتقاليد تحول دون تحدّث الناس عن هذا الموضوع بصراحة... لا يتمتّع أحد بالجرأة الكافية لطرح هذا النوع من المواضيع".


وأضافت قائلةً: "أمّا من خلال هذا التقرير، فقد نجحنا في كسر هذا الحاجز. يعمل مشروعنا الحالي على تمكين الأطفال من حماية أنفسهم ويشجّعهم على مناقشة مشاكلهم مع أهلهم".
"نحن ندير برامج متخصصة لمساعدتهم على إقامة علاقات سليمة مع أهلهم وأقرانهم".


وشرحت رويدا إسماعيل قائلةً إنّها عندما تستقبل حالة انتهاك جنسي، تقوم بزيارة الأهل أوّلاً وتحثّهم على التكلّم حول الحادثة لتتمكّن من مساعدتهم.
فقالت مشدّدة: "علينا أن نتحدّث بصراحة كي تكون نتائح العلاج إيجابيّة".
"استقبلنا 17 حالة انتهاك جنسي في العام 2011 استهدفت أولاداً بين سنّ العاشرة والخامسة عشرة. أمّا أسباب هذه الانتهاكات، فهي في معظم الحالات تتعلّق بالتفكك الأسري وبتعرّض الأطفال الى المواد الجنسية الواضحة، بالإضافة الى تعرّضهم الى الانتهاك من قبل متحرّشين بالأطفال أكبر سنّاً".
لا يتلقّى الأطفال ضحايا الانتهاك علاجاً نفسيّاً في مركز نبع فحسب، بل وايضاً يتم تشجيعهم على الالتحاق بنشاطات عدّة تهدف الى تسحين صحّتهم النفسيّة.
وأضافت رويدا إسماعيل قائلة: "كما أننا نطلب من الأهل أن يخصصوا وقتاً أطول لأولادهم وأن يحيطوهم بالاهتمام وأن يصغوا إلى مشاكلهم".
يتلقّى المركز حاليّاً اتّصالات عدّة من قبل أهالٍ يطلبون المساعدة أو معالجة أولادهم بعدما اكتسبت برامج المركز سمعة طيّبة وعُرف عن طاقم العمل أنّه جدير بالثقة.
في ظلّ تزايد عدد الأطفال ضحايا الانتهاك الجنسي وتحدّثهم بصراحة حول محنتهم، تشكّلت لجنة حماية في المخيّم تتألّف من شخصيّة دينية وطبيب نفسي ومسؤول سياسي من اللجان الشعبية وممثّل عن الأونروا.


قال أبو اسحاق، وهو رجل دين وعضو في لجنة الحماية: "إنّ عدد حالات الانتهاك المتداول مبالغٌ فيه"، وشدّداً مؤكّداً: "هي ليست أكثر من خمس حالات".
كما يعتقد أنّ هذه المبالغة ستؤدّي الى "تشويه صورة المخيّم وإظهاره على أنّه بؤرة للمنحرفين".
وأضاف: "يعيش حوالي 100.000 شخص في مساحة كيلومتر واحد تقريباً. هي منطقة كسائر المناطق في العالم، تتضمّن بعض الحالات من الميول الجنسي المنحرف، إلّا أنّ هذه الحالات لم تتحوّل الى ظاهرة في عين الحلوة بعد".

من وجهة نظره، تعود حوادث الانتهاك الجنسي القليلة الى الاكتظاظ السكّاني الذي تضخّم أكثر فأكثر مع نزوح السوريين وتفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة.



 

عرض الصور